الخطاب من منظور سميولساني

الخطاب: هو كل تعبير موجه إلى الآخر بقصدٍ لقصدٍ، في سياق مؤسساتي يكون فيه هذا الآخر معهودا أو مفترضا.

فالقصد الأول هو قصد التواصل، ومداره على إرادة الفعل (فعل التواصل). والقصد الثاني هو القصد من التواصل، ومداره بالمجمل على الرغبة في التأثير (التأثير في سلوك الآخرين أو في اعتقادهم). وبهذا يكون الخطاب ظاهرة قصدية.

وأما السياق المؤسساتي، فهو المحيط أو الوسط الاجتماعي بما يحكمه من أنساق ثقافية على تعددها واختلافها وبساطتها وتعقيدها. وبهذا الاعتبار يكون الخطاب ظاهرة ثقافية سياقية.

قلنا (كل تعبير) على سبيل التعميم ليشمل التعريف كل أشكال التعبير لغوية كانت أو غير لغوية، بمعنى أن الخطاب لا ينحصر وروده مع اللغات اللفظية فقط، بل يتعدها إلى كل الأنساق التواصلية. وبهذا يكون الخطاب ظاهرة نسقية.

وأما الآخر المعهود، فهو هذا المخاطب الذي أعرفه وأتوجه إليه وأقصد التوجه إليه بالخطاب، وأما المفترض فهو كل مخاطب ممكن أو محتمل. وهنا نركز في التعريف على البعد التفاعلي للخطاب. إذ الخطاب هو خرْج الحدث أو العملية التخاطبية بما هي استراتيجية تفاعلية من شأنها حمل الآخرين على التسليم بما يُعرض أو إتيان ما يُطلب. وبهذا يكون الخطاب ظاهرة تفاعلية.

يبقى أن نشير إلى أن هناك خطابات نتلقاها عن مخاطِب مفترض، كأن نقرأ لكاتب لا نعرفه. ومثاله أيضا، ما تعرضه علينا الطبيعة من أشياء وقائع وأحداث (كالجبال والأشجار الأزهار والرعد والبرق والزلازل والبراكين والرياح …) فهذه كلها خطابات أو كلها موضوعات قابلة للقراءة كما المنطوقات والمكتوبات. ولكن المخاطٍب طبعا ليس هو الطبيعة، إنما هو نحن بالنيابة عنها. فنكون في مثل هذا مخاطَبين من جهة التأثر بالطبيعة مخاطِبين من جهة تقويل الطبيعة.

وبهذا لزم بعض التعميم في حد الخطاب ليكون: هو كل مُدَرك ثقافي في سياق مؤسساتي عن مخاطِب معهود أو مفترض. والمقصود بالمدرك الثقافي هو كل ما تدركه الذات الواعية عن طريق الحس أو الحدس، بشرط أن يكون عبر الخلفيات المعرفية، أو بواسطة أسنن التعرف الإسقاطية. أما الخلفيات أو أسنن التعرف هذه، فهي كل معارفنا وتجاربنا وذاكرتنا، هذا الكل الذي يمنعنا من إدراك الكون المحيط بنا في صفائه البسيط والمباشر.

هذا الخطاب من منظور سميولساني إذن، أما النص فهو الصيغة التوثيقية للخطاب. ولقد شاع ربطه بالمكتوب، ليكون النص مجرد خطاب مكتوب. ولكننا نعممه على كل توثيق ليشمل التسنينات المثبتة للخطاب بما هو ممارسة فعلية آنية مرتبطة بسياق الآن هنا، ليصبح كيانا ثابتا أو مثبَّتا يمكن أن يُتداول عبر الأزمنة والأماكن. وبهذا يمكن أن نقول: إن كل نص خطاب وليس كل خطاب نص، ذلك أن الخطابات أكثر من النصوص، وأن كل النصوص إنما هي بعض الخطابات الموثَّقة، فالمرئي خطاب والصورة نصه، والمسموع خطاب والمكتوب نصه.

أضف تعليق