لسانيات الخطاب

لقد ساد في مجال البحث اللساني، إلى حدود أواسط القرن المنصرم، الاهتمام بالنحو كنظرية للقدرة. وترتب عن ذلك أن لا يتجاوز الأمر حدود ما يؤكد مصداقية هذه الفكرة، فلم تقم الحاجة حينئذ إلى أكثر من دراسة صورية، تقوم على تجريد اللغة وتحاول تقديم مستعمليها باعتبارهم نماذج فارغة ومجردة. إلا أن هذا التوجه ما فتئ يفقد سيطرته على الأبحاث اللسانية، بعدما ظهرت إلى الفضاء اللساني دراسات تتجاوز القدرة إلى الإنجاز، ولا تفصل اللغة عن استعمالها، أو تفصل استعمالها عما يلابسه ويتعلق بما هو نفسي أو اجتماعي أو ثقافي أو غيره، داخل الفضاء العام للتواصل.

لقد تواتر منذ “ف.د.سوسير” أن تتعلق القدرة باللسان ويتعلق الإنجاز بالكلام. وتواتر أن الكلام هو الاستفادة الممكنة من اللسان، وأن الإنجاز هو التحقيق الفعلي للقدرة على الكلام. وقد شهد تاريخ البحث اللساني على ما حظيت به القدرة من اهتمام، إلى أن جاءت لسانيات الخطاب لتعيد الاعتبار لمسألة الإنجاز، وتهتم بدراسة اللغة من حيث الاستعمال.

لقد قامت لسانيات الخطاب، في محاولة منها لتطوير البحث اللغوي، على معالجة بعض القضايا التي أرقت التفكير اللساني لعقود. ولقد انصب اهتمامها الكبير في هذه المعالجة، على الأسئلة المثيرة والمحيرة المتعلقة بالإنجاز والفعل اللغوي.

– ماذا نحن فاعلون حينما نستعمل اللغة؟

– أي فعل هذا؟

– أي معنى وأي أثر لأي فعل؟

– من يفعل؟ ومن يتفاعل؟

– متى؟ وأين؟ وكيف؟ وبأي بحق نفعل أو لا نفعل؟

(مقتطف من كتاب السميولسانيات وفلسفة اللغة، دار كنوز، 2017)

أضف تعليق