المعجم السميائي وتهافت الاصطلاح

سيمياء، سيميائية، سميائيات، سميوطيقا، سميولوجيا، وهذا مما عُرب من المصطلحات أو أُدخل. وطبعا هناك تسميات أخرى ولكنها ليست خرْجا للتعريب أو التدخيل، ومنها علم العلامات وعلم الإشارات والعلاماتية والدلائلية والرموزية والأعراضية. وإذا كان لبعض هذه المصطلحات ما يبرره، فإن أغلبها متهافت لا يبرره إلا كسلٌ أو تعصبٌ أو جهل.

إن العلم الذي نحن بصدده هنا، علم يهتم بدراسة المعاني باعتبارها حاصل سيرورات تدليلية يتفاعل فيها الإنتاج والتأويل، علمٌ يهتم بدراسة كل أشكال السلوك الإنساني، المجسِّدة للثقافة بكل أبعادها وامتداداتها. وهو بالتالي أكبر وأعقد من أن يكون علما للرموز أو الإشارات أو الأعراض، فهذه كلها ليست إلا جانبا أو جزءا يسيرا من موضوعه العام. وأما التسمية بعلم العلامات فهذه ربما أقرب إلى المطلوب، ولكنها تُردُّ لسببين على الأقل، أولهما أن التسمية هنا مركب، والمركب أضعف في التسمية من المفرد، وثانيهما أن اللسانيات أيضا علم للعلامات، فوجب تميزه عنه بزيادة في التركيب لمزيد من التحديد، وذلك نحو: علم العلامات العام. وأما العلاماتية والدلائلية فالنسبة هنا جعلت المسمى أقرب إلى المادة أو الموضوع منه إلى العلم. ومهما كان من التوليد بهذا الصدد، فإنه ربما يحرف المفهوم الأصلي أو يضيعه، وفي أحسن الأحوال قد يلبسه بغيره مما ورد في التراث العربي وليس منه.

وهكذا، وفي ظل غياب بديل أكفى لهذه المولَّدات العربية أمكن العدول عن التوليد إلى التعريب أو التدخيل، ومما جاء فيهما وجدنا من المعرب: سيمياء، سميائية، سميائيات. ومن الدخيل السميوطيقا والسميولوجيا، مع أنه يمكن اعتبار هذين من المعرب أيضا، لما فيهما من بعض التغيير الصوتي. وهناك طبعا مقابلات أخرى ولكنها ما شاعت كالمقابلات التي ذكرنا. فكيف نفاضل بين هذه الأخيرة إذن؟

معلوم أن أصل المصطلح هنا يوناني من “sémion” أو”sémio” أو “sema” وهذه تعني علامة. ثم “logos” أو “tique” وهذه تعني علم،  وبعد التطور صار الحاصل الإنجليزي “sémiotique” والحاصل الفرنسي “sémiologie”، إلا أن هذين المصطلحين ليسا كل ما سيق للمفهوم المعهود، بل هما أهم ما شاع له في الأوساط الغربية. ولعل للمصطلح الأول امتدادا في التراث الأمريكي، وصولا إلى أعمال “ش.س.بورس” مبدع السميائيات التأويلية، أما المصطلح الثاني فيجد امتداده في الأدبيات الأوروبية، وصولا إلى محاضرات رائد اللسانيات والمبشر بالسميولوجيا “ف.د.سوسير”.

وفي سياق المفاضلة، ومن باب أن التعريب أولى من التدخيل كلما أجاد وأفاد، فإنه يُعدل عن السميوطيقا إلى السميائيات. ومن باب أن ما قيس من المعرب على ما اطرد في حقله من كلام العرب أولى مما شذَّ عن هذا القياس، يُعدل عن السيمياء والسميائية إلى السميائيات، وهذا على غرار اللسانيات والتداوليات والدلاليات، والصوتيات، وكل هذه علوم متاخمة للسميائيات، وليست السميائيات من متاخمات الكيمياء. والسميائيات على صيغة نسبة مجموعٍ إلى موضوع، في حين أن السميائية على صيغة نسبة مفردٍ إلى موضوع، وإذا دققت في المنسوب الذي نحن بصدده، وجدته مجموعا وليس مفردا، ذلك أن المنسوب هو العلم، والعلم بالفهم العام، جهازٌ ونسقٌ وممارسة، أي: مجموعٌ متماسك، قوامه تعالقٌ جدلي بين عدد من المعارف والقوانين، وعدد من النظريات والمناهج والتطبيقات.

وبهذه الاعتبارات كلها كان مصطلح السميائيات أقرب إلى الصواب من غيره من المولَّدات والمعرَّبات والمدخلات. أما السميولوجيا كمصطلح دخيل ربما، فقد قامت الحاجة إليه في سياقات التميز بين المرجعيات في الأدبيات الأوروبية والأخرى الأمريكية، وهو غير مقبول إلا على هذا الاعتبار، وإنه مقبول ما دام لا يوجد له مقابل مولَّد أو معرَّب أجود وأفيد.

(عبد السلام إسماعيلي علوي، 2018/ب)