دور الوسائط الإلكترونية في التعليم

تُطلق الوسائط التعليمية، ويُراد بها كل ما يُتوسل به من أدوات لإنجاح العملية التعليمية التعلمية، من خطابات مسموعة ونصوص مقروءة، وكل المرئيات من الرسوم والبيانات والصور الثابتة والمتحركة. وبالإجمال تطلق على كل ما من شأنه أن يشتغل وسيطاً بين معلم ومتعلم، أو يمثل منفذا إدراكيا لتمرير رسالة أو محتوى تعلمي ما، سواء كان ذلك بشكل كلي أو جزئي، وسواء كان ذلك بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.

هذا، وتُطلق الوسائط المتعددة، على التضافر الممكن بين الوسائط، حيث يتم تسخير أكثر من وسيط في حدث تعليمي واحد. يتعلق الأمر هنا بالتفاعل الوظيفي التكاملي بين الوسائط، في شكل بنية نسقية تعمل عناصرها مجتمعة، لأجل الهدف نفسه أو الأهداف نفسها. ولقد ساعد اعتماد الحاسوب وبرامجه المتطورة يوما بعد يوم، في تحقيق هذا التضافر الوسائطي بنجاح أكثر. لقد أتاحت البرمجة الحاسوبية إمكانيات متطورة للربط والدمج الفعال بين الوسائط، ولقد استفادت من نجاحات هذا الأمر كل مجالات التفاعل الإنساني، بما فيها المجال التعليمي.

إن ارتباط الوسائط المتعددة بالبرمجة الحاسوبية، أفضى إلى ما عُرف في تاريخ الوسائط بتكنولوجيا الوسائط، على غرار تكنولوجيا المعلومات، وسيفضي بالتالي إلى ما سيعرف بالوسائط الإلكترونية. هذه التي ستفتح الباب أمام آفاق جديدة للتواصل والتفاعل الإنساني بشكل عام، وهي التي ستمثل شرط العبور من التواصل بالوسائط إلى التواصل الإلكتروني، وستحفز على النظر في إمكانية الانتقال من التعليم التقليدي إلى ما سيُعرف بالتعليم الإلكتروني.

أما التعليم الإلكتروني فهو ما اعتمد من التعليم، في عرض المحتويات والمضامين واستقبالها، على وسائط إلكترونية، بحيث لا يتعين على الفاعلين، سواء كانوا معلمين أو متعلمين، أن ينحشروا بالضرورة في مكان، ولا أن يلتزموا بتوقيت أو زمن، لا مجتمعين ولا فرادى. كل ما هنالك أجهزة إلكترونية، وبرامج داعمة، وقواعد للبيانات والمعلومات، وشبكات للاتصال محليةً أو كونية.

إن الوسائط الالكترونية أتاحت الإمكانية لإتيان التعليم بأساليب حديثة، وفرت على الفاعلين مزيدا من الوقت والجد والتكاليف. فبالوسيط الإلكتروني سار الأداء التعليمي التعلمي يتم في أسرع وقت ممكن، وبأقل جهد وأقل تكلفة. وسارت إمكانيات التعليم متاحة وميسرة أكثر مما كانت عليه من قبل. إن اعتماد التكنولوجيا في التعليم سيزيد من فرص المتعلمين ويُكثر من أعدادهم، وسيعمل على توفير المعلومات والمضامين، ويعمل على تنويع المصادر والبرامج، كما سييسر إدارة الفصول وجماعات المستفيدين، ويمكِّن من المتابعة الدقيقة والمفصلة لأداء المتعلمين على كثرتهم واختلاف مستوياتهم. ليس هذا وفقط، بل، إن من حسنات اعتماد التكنولوجيا في التعليم خلق فضاءات للعمل التعاوني والتفاعل الإيجابي، بين المعلم والمستفيد، وبين المستفيدين مع بعضهم، كما ساعد على تجاوز بعض المعيقات والإكراهات التي قد تلازم حضور الذوات المتفاعلة في الزمن والمكان. وذلك بالتحرر مثلاً من الضغوطات النفسية التي قد تفرضها المواجهة الفعلية، وكذلك التحرر من التزامات الحضور وجها لوجه في زمن ما في مكان ما.

بفضل التكنولوجيا ما عاد التعليم مقرونا بقربٍ ولا مرهونا بحضور، لقد أُتيحت الإمكانية للتعليم عن بعد. يكفي أن تكون على الخط أو على الشبكة، وكن حيث ما تريد، وفي أي وقت تريد، ولك أن تطلب من التعلُّمات ما تريد، من أي تريد. هذا هو شعار التعليم الإلكتروني أو التعليم عن بعد. إن هذه المرونة أو الحرية في الاختيار، اختيار المادة والوسيط والمعلم والزمن والمكان، مثلت باعثا أو عاملا أساسيا لخلق فرص للتفاعل الإيجابي، إن هذه المرونة تُشعر المستفيد بانتمائه ودوره الفعال، وتخلق لديه الرغبة في التعلم والاستعداد له والمشاركة الطوعية فيه، وتسهل بذلك على المعلم أصعب مهامه، أو ربما توفر عليه بعضها. وفي هذه الحالة يتم الانتقال من التعلُّم المطاوع إلى التعلُّم المنعكس، فالمطاوع ما حصل من التعلم بفعل معلِّم، والمنعكس ما حصل منه بمجهودٍ ذاتي من المتعلم.

إن التكنولوجيا كفيلة بضمان تعلُّم ذاتي ناجح، كفيلة بتحويل بؤرة الحدث من التعليم إلى التعلم، ومن التعلم إلى التعلم الذاتي، إن التكنولوجيا تخرج بالتعليم من السياقات المقامية، حيث الحدود والأبعاد الزمكانية، إلى السياقات الافتراضية، حيث يمكن للمتعلم أن يسافر ويبحر في العالم الافتراضي، مكونا عالمه الخاص، يعين مساراته التعليمية دون شروط مسبقة، ويختار مواده ومضامينه وفق حاجته هو، وبناء على رغباته وإمكانياته. ويمكنه فضلا عن ذلك، أن يختبر نفسه ويقوّم محصلاته. يكفيه فقط أن يكون قادرا على تسخير ما تتيحه التكنولوجيا من أجهزة وبرامج وشبكات.

(للاطلاع عليه بإحالاته يُنظر عبد السلام إسماعيلي علوي، 2018/ب، ص84…)