السميائيات؟

يمكن أن نحدد السميائيات على سبيل التقريب، لا الحسم في التحديد، باعتبارها العلم الذي يهتم بدراسة المعاني لا على أساس شبهها أو مطابقتها للحقيقة. بل على أساس اشتباهها بها رغم مفارقتها لها. إن السميائيات تبحث في المعنى لا باعتباره جوهرا أو أصلا أو مادة، ولا باعتباره معطى سابقا ينبغي تحصيله كما هو، بل تبحث فيه باعتباره حالة عرضية أو شكلا متغيرا باستمرار ومختلفا حوله باطراد. تبحث فيه باعتباره حاصل سيرورة تدليلية يتفاعل فيها الإنتاج والتلقي. منطلقها إليه سؤال في الكيف لا سؤال في الماهية.

يمثل البحث في المعنى بهذا الاعتبار بحثا في السلوك الثقافي بشكل عام بما هو سلوك دال يتجاوز السلوك الطبيعي ويختلف عنه.  مع السميائيات تستحيل الطبيعةُ ثقافةً والأشياء على اختلافها علامات تسكنها المواقف والخلفيات والإيديولوجيات، وتغيب عنها البساطة والبراءة. وذلك ما أثار انتباه السميائي، وذلك ما دعاه إلى البحث في مسالك التدليل وأساليب التضليل.

وهكذا، فمن البحث في المعنى، إلى البحث في السلوك المنتج له، إلى البحث في العلامة بما هي حاصل هذا السلوك، إلى البحث في السميوزيس بما هو قوام هذا الحاصل الكثيف والمعقد. ذلك ما قامت السميائيات لأجله إذن، فماذا عمّا آلت السميائيات إليه؟

أضف تعليق